الخميس، 16 أبريل 2015

089 -- 03042015 وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ


وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ
وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (64) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65)
يوم القيامة
في هذا اليوم يؤمر بأهل الجنة إلى الجنة ثم يقال لمن بقي في أرض المحشر:
 «وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ» .. تميَّزوا عن المؤمنين, وانفصلوا عنهم.
 «أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ- يا بَنِي آدَمَ- أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ؟»
يا بني آدم ألم أعهد إليكم ألم أأخذ عليكم العهد ألا تعبدوا الشيطان ألم أوضح لكم العداوة الأزلية بينه وبينكم  «وَأَنِ اعْبُدُونِي» .. «هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ» ..
فلم لم تحذروا.. وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62)
«هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ. اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ» !
«الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ، وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ، وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ»
روى ابن جرير الطبري عن أبي موسى الأشعري أنه قال (يدعى الكافر والمنافق يوم القيامة للحساب ، فيعرض عليه ربه عمله فيجحده ويقول : أي رب وعزتك لقد كتب على هذا الملك ما لم أعمل ! فيقول الملك : أما عملت كذا فى يوم كذا ، في مكان كذا ، فيقول : لا وعزتك أي رب ما عملته ، فإذا فعل ذلك ختم على فيه ، وتكلمت أعضاؤه ثم تلا [ اليوم نختم على أفواههم
«وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ، فَأَنَّى يُبْصِرُونَ، وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ» ..
وهما مشهدان فيهما من البلاء قدر ما فيهما من السخرية والاستهزاء. السخرية بالمكذبين والاستهزاء بالمستهزئين، الذين كانوا يقولون:
«مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ؟» ..
فهم في المشهد الأول عميان مطموسون. ثم هم مع هذا العمى يستبقون الصراط ويتزاحمون على العبور، ويتخبطون تخبط العميان حين يتسابقون! ويتساقطون تساقط العميان حين يسارعون متنافسين! «فَأَنَّى يُبْصِرُونَ» وهم في المشهد الثاني قد جمدوا فجأة في مكانهم، واستحالوا تماثيل لا تمضي ولا تعود بعد أن كانوا منذ لحظة عميانا يستبقون ويضطربون!
الله يسخر منهم ويستهزئ بهم  وقد كانوا من قبل يستخفون بالوعيد ويستهزئون!
«وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ. أَفَلا يَعْقِلُونَ» ..
والشيخوخة نكسة إلى الطفولة. بغير ملاحة الطفولة وبراءتها المحبوبة! وما يزال الشيخ يتراجع، وينسى ما علم، وتضعف أعصابه، ويضعف فكره، ويضعف احتماله، حتى يرتد طفلا. ولكن الطفل محبوب اللثغة، تبسم له القلوب والوجوه عند كل حماقة. والشيخ مجتوى لا تقال له عثرة إلا من عطف ورحمة، وهو مثار السخرية كلما بدت عليه مخايل الطفولة وهو عجوز. وكلما استحمق وقد قوست ظهره السنون! فهذه العاقبة كتلك تنتظر المكذبين، الذين لا يكرمهم الله بالإيمان الراشد الكريم.. أى أفلا يعقلون أن من قدر على ذلك ، قادر على إعمائهم أو مسخهم
وما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (70)
وما علَّمنا رسولنا محمدًا الشعر, وما ينبغي له أن يكون شاعرًا, ما هذا الذي جاء به إلا ذكر يتذكر به أولو الألباب, وقرآن بيِّن الدلالة على الحق والباطل، واضحة أحكامه وحِكَمه ومواعظه; لينذر مَن كان حيَّ القلب مستنير البصيرة, ويحق العذاب على الكافرين بالله; لأنهم قامت عليهم بالقرآن حجة الله البالغة.
«أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ؟ وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ. وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ؟ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ. لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ. فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ»
الخطاب للرسول- صلّى الله عليه وسلّم- وهو يواجه أولئك الذين اتخذوا من دون الله آلهة.
فلا يَحْزُنك كفرهم بالله
فلا يَحْزُنك تكذيبهم لك
فلا يَحْزُنك استهزاؤهم بك; إنا نعلم ما يخفون, وما يظهرون, وسنجازيهم على ذلك فهم مكشوفون لعلم الله. وكل ما يدبرونه وما يملكونه تحت عينه. وأنهم في قبضته وهم لا يشعرون
«فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ. إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ» .
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
«أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ. وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ. قالَ: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ؟ قُلْ: يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ. الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ. أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ؟ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ. إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ: كُنْ. فَيَكُونُ» ..
الذي أخرج لكم من الشجر الأخضر الرطب نارًا محرقة, فإذا أنتم من الشجر توقدون النار, فهو القادر على إخراج الضد من الضد. وفي ذلك دليل على وحدانية الله وكمال قدرته, ومن ذلك إخراج الموتى من قبورهم أحياء.
والأعراب توري النار من المرخ والعفار



الاثنين، 6 أبريل 2015

088 -- 27032015 يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ


يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ

 يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (31) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة يقول الله لآدم ابعث بعث النار فقال يا رب وما بعث النار قال تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة قال فأنشأ المسلمون يبكون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قاربوا وسددوا فإنها لم تكن نبوة قط إلا كان بين يديها جاهلية قال فيؤخذ العدد من الجاهلية فإن تمت وإلا كملت من المنافقين وما مثلكم والأمم إلا كمثل الرقمة في ذراع الدابة أو كالشامة في جنب البعير ثم قال إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة فكبروا ثم قال إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة فكبروا ثم قال إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة فكبروا قال لا أدري قال الثلثين أم لا قال هذا حديث حسن صحيح قد روي من غير وجه عن الحسن
حينما يرسل الله 124 ألف  نبي ورسول   والناس لا تؤمن يبقى يا حسرة على العباد
حينما يرسل الله 315  رسول   والناس لا تؤمن يبقى يا حسرة على العباد
حينما يرسل الله 25 رسول تم ذكرهم في القرآن  والناس لا تؤمن يبقى يا حسرة على العباد
حينما يرسل الله صحف إبراهيم و الزبور والتوراة والإنجيل والقرآن   والناس لا تؤمن ولا تتخذها شرائع  يبقى يا حسرة على العباد
حينما يمدنا الله بكل وسائل الإدراك وبكل هذه الآيات والناس لا تؤمن  ويكون عدد المسلمين 1.6 مليار يعني حوالي 22% من تعداد العالم يبقى يا حسرة على العباد
حينما لا تكون راية الله هي العليا في هذا العالم يبقى يا حسرة على العباد
حينما لا يؤمن الناس وأمامهم مصارع الهالكين قبلهم ولا يتدبرونها يبقى يا حسرة على العباد
يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30)................. .................................................... إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (47)
«وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ؟» ..
ووعد الله لا يستقدم لاستعجال البشر ولا يستأخر لرجائهم في تأخيره. فكل شيء عند الله بمقدار. وكل أمر مرهون بوقته المرسوم. إنما تقع الأمور في مواعيدها وفق حكمة الله الأزلية التي تضع كل شيء في مكانه،
أما الرد على هذا السؤال المنكر فيجيء في مشهد من مشاهد القيامة يرون فيه كيف يكون، لا متى يكون..
يسأل المكذبون: «مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» .. فيكون الجواب مشهدا خاطفا سريعا.. صيحة تصعق كل حي، وتنتهي بها الحياة والأحياء:
«ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ. فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ» ..
فهي تأخذهم بغتة وهم في جدالهم وخصامهم في معترك الحياة، لا يتوقعونها ولا يحسبون لها حسابا. فإذا هم منتهون. كل على حاله التي هو عليها. لا يملك أن يوصي بمن بعده. ولا يملك أن يرجع إلى أهله فيقول لهم كلمة.. وأين هم؟ إنهم مثله في أماكنهم منتهون!
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51)  
ينتفضون من القبور. ويمضون سراعا، وهم في دهش وذعر يتساءلون:
قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53) فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54)

087 -- 20032015 أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا


  أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا 

أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78) كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا (80) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81) كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (82) أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83) فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا

«أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ: لَأُوتَيَنَّ مالًا وَوَلَداً؟
عن خباب بن الأرت قال: كنت رجلا قينا (حدادا) وكان لي على العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه منه فقال: لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد، فقلت:
لا والله، لا أكفر بمحمد- صلى الله عليه وسلم- حتى تموت ثم تبعث. قال: فإني إذا مت ثم بعثت جئتني ولي ثم مال وولد، فأعطيتك! فأنزل الله:
«أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ: لَأُوتَيَنَّ مالًا وَوَلَداً ... «2» » .
وقولة العاص بن وائل نموذج من تهكم الكفار واستخفافهم بالبعث والقرآن يعجب من أمره، ويستنكر ادعاءه: «أَطَّلَعَ الْغَيْبَ؟» فهو يعرف ما هنالك.
 «أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً» فهو واثق من تحققه؟
ثم يعقب: «كَلَّا» . وهي لفظة نفي وزجر. كلا لم يطلع على الغيب ولم يتخذ عند الله عهدا، إنما هو يكفر ويسخر والله يرد عليه وعلى أمثاله بهذا الزجر وهذا التهديد:
 «كَلَّا سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا»..
سنكتب ما يقول فنسجله عليه ليوم الحساب فلا ينسى ولا يقبل المغالطة..
ونمد له من العذاب مدا، فنزيده منه ونطيله عليه ولا نقطعه عنه!
وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا (80)
لا مال معه ولا ولد ولا نصير له ولا سند، مجردا ضعيفا وحيدا فريدا.
ولم يكتف الكافر المنكر المعرض بكفره بل ادع لله ولد
«وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا،
فهؤلاء الذين يكفرون بآيات الله يتخذون من دونه آلهة يطلبون عندها العزة، والغلب والنصرة، وكان فيهم من يعبد الملائكة ومن يعبد الجن ويستنصرونهم ويتقوون بهم..
كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا.
كلا! فسيكفر الملائكة والجن بعبادتهم، وينكرونها عليهم، ويبرأون إلى الله منهم، «وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا» بالتبرؤ منهم والشهادة عليهم.
 أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا. فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا.
فلا يضيق صدرك بهم فإنهم ممهلون إلى أجل قريب، وكل شيء من أعمالهم محسوب عليهم ومعدود.. فيا ويل من يعد الله عليه ذنوبه وأعماله وأنفاسه، ويتتبعها ليحاسبه الحساب العسير..
يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً، وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً، لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً» .
فأما المؤمنون فقادمون على الرحمن وفدا في كرامة وحسن استقبال:
«يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً».
وأما المجرمون فمسوقون إلى جهنم وردا كما تساق القطعان.
«وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً» . ولا شفاعة يومئذ إلا لمن قدم عملا صالحا فهو عهد له عند الله يستوفيه. وقد وعد الله من آمن وعمل صالحا أن يجزيه الجزاء الأوفى، ولن يخلف الله وعدا.
«وَقالُوا: اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً. لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا. تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا، أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً، وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً»
«إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً. لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا. وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً».
إن كل من في السماوات والأرض إلا عبد يأتي معبوده خاضعا طائعا، فلا ولد ولا شريك، إنما خلق وعبيد.
«لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا» فلا مجال لهرب أحد ولا لنسيان أحد
 «وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً» فعين الله على كل فرد. وكل فرد يقدم وحيدا لا يأنس بأحد ولا يعتز بأحد. فهو وحيد فريد أمام الديان.
وفي وسط هذه الوحدة والوحشة والرهبة، إذا المؤمنون في ظلال ندية من الود السامي: ود الرحمن:
«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا» ..
وهو ود يشيع في الملأ الأعلى، ثم يفيض على الأرض والناس فيمتلئ به الكون كله ويفيض..
عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال: يا جبريل إني أحب فلانا فأحبه. قال: فيحبه جبريل. ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه. قال: فيحبه أهل السماء. ثم يوضع له القبول في الأرض. وإن الله إذا أبغض عبدا دعا جبريل فقال: يا جبريل إني أبغض فلانا فأبغضه. قال: فيبغضه جبريل. ثم ينادي في أهل السماء:
إن الله يبغض فلانا فأبغضوه. قال: فيبغضه أهل السماء ثم يوضع له البغضاء في الأرض «1» » ..
وبعد فإن هذه البشرى للمؤمنين المتقين، وذلك الإنذار للجاحدين الخصيمين هما غاية هذا القرآن. ولقد يسره الله للعرب فأنزله بلسان الرسول- صلى الله عليه وسلم- ليقرأوه:
«فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا» ..
«وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً؟» .