وَامْتَازُوا
الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي
آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60)
وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ
جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي
كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (64)
الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ
أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65)
يوم القيامة
في هذا اليوم يؤمر بأهل الجنة إلى الجنة
ثم يقال لمن بقي في أرض المحشر:
«وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا
الْمُجْرِمُونَ» .. تميَّزوا عن المؤمنين, وانفصلوا
عنهم.
«أَلَمْ
أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ- يا بَنِي آدَمَ- أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ
لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ؟»
يا بني آدم ألم أعهد إليكم ألم أأخذ عليكم
العهد ألا تعبدوا الشيطان ألم أوضح لكم العداوة الأزلية بينه وبينكم «وَأَنِ اعْبُدُونِي» .. «هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ» ..
فلم لم تحذروا.. وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا
أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62)
«هذِهِ
جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ. اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ
تَكْفُرُونَ» !
«الْيَوْمَ
نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ، وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ، وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ
بِما كانُوا يَكْسِبُونَ»
روى ابن جرير الطبري عن أبي موسى الأشعري أنه
قال (يدعى الكافر والمنافق يوم القيامة للحساب ، فيعرض عليه ربه عمله فيجحده ويقول
: أي رب وعزتك لقد كتب على هذا الملك ما لم أعمل ! فيقول الملك : أما عملت كذا فى
يوم كذا ، في مكان كذا ، فيقول : لا وعزتك أي رب ما عملته ، فإذا فعل ذلك ختم على
فيه ، وتكلمت أعضاؤه ثم تلا [ اليوم نختم على أفواههم
«وَلَوْ
نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ، فَأَنَّى
يُبْصِرُونَ، وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا
مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ» ..
وهما مشهدان فيهما من البلاء قدر ما فيهما
من السخرية والاستهزاء. السخرية بالمكذبين والاستهزاء بالمستهزئين، الذين كانوا
يقولون:
«مَتى
هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ؟» ..
فهم في المشهد الأول عميان مطموسون. ثم هم
مع هذا العمى يستبقون الصراط ويتزاحمون على العبور، ويتخبطون تخبط العميان حين
يتسابقون! ويتساقطون تساقط العميان حين يسارعون متنافسين! «فَأَنَّى يُبْصِرُونَ» وهم في المشهد الثاني
قد جمدوا فجأة في مكانهم، واستحالوا تماثيل لا تمضي ولا تعود بعد أن كانوا منذ
لحظة عميانا يستبقون ويضطربون!
الله يسخر منهم ويستهزئ بهم وقد كانوا من قبل يستخفون بالوعيد ويستهزئون!
«وَمَنْ
نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ. أَفَلا يَعْقِلُونَ» ..
والشيخوخة نكسة إلى الطفولة. بغير ملاحة
الطفولة وبراءتها المحبوبة! وما يزال الشيخ يتراجع، وينسى ما علم، وتضعف أعصابه،
ويضعف فكره، ويضعف احتماله، حتى يرتد طفلا. ولكن الطفل محبوب اللثغة، تبسم له
القلوب والوجوه عند كل حماقة. والشيخ مجتوى لا تقال له عثرة إلا من عطف ورحمة، وهو
مثار السخرية كلما بدت عليه مخايل الطفولة وهو عجوز. وكلما استحمق وقد قوست ظهره
السنون! فهذه العاقبة كتلك تنتظر المكذبين، الذين لا يكرمهم الله بالإيمان الراشد
الكريم.. أى أفلا يعقلون أن من قدر على ذلك ، قادر على
إعمائهم أو مسخهم
وما
عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ
مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ
(70)
وما علَّمنا رسولنا محمدًا الشعر, وما ينبغي له أن يكون شاعرًا, ما
هذا الذي جاء به إلا ذكر يتذكر به أولو الألباب, وقرآن بيِّن الدلالة على الحق
والباطل، واضحة أحكامه وحِكَمه ومواعظه; لينذر مَن كان حيَّ القلب مستنير البصيرة,
ويحق العذاب على الكافرين بالله; لأنهم قامت عليهم بالقرآن حجة الله البالغة.
«أَوَلَمْ
يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها
مالِكُونَ؟ وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ.
وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ؟ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ
اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ. لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ
جُنْدٌ مُحْضَرُونَ. فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ
وَما يُعْلِنُونَ»
الخطاب للرسول- صلّى الله عليه وسلّم- وهو
يواجه أولئك الذين اتخذوا من دون الله آلهة.
فلا يَحْزُنك كفرهم بالله
فلا يَحْزُنك تكذيبهم لك
فلا يَحْزُنك استهزاؤهم بك; إنا نعلم ما يخفون, وما يظهرون,
وسنجازيهم على ذلك فهم مكشوفون لعلم الله. وكل ما يدبرونه وما يملكونه تحت عينه. وأنهم في
قبضته وهم لا يشعرون
«فَلا
يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ. إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ» .
الحمد لله
وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
«أَوَلَمْ
يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ.
وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ. قالَ: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ
رَمِيمٌ؟ قُلْ: يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ
خَلْقٍ عَلِيمٌ. الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا
أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ. أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ
بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ؟ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ.
إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ: كُنْ. فَيَكُونُ» ..
الذي أخرج لكم من الشجر الأخضر
الرطب نارًا محرقة, فإذا أنتم من الشجر توقدون النار, فهو القادر على إخراج الضد
من الضد. وفي ذلك دليل على وحدانية الله وكمال قدرته, ومن ذلك إخراج الموتى من
قبورهم أحياء.
والأعراب توري النار من
المرخ والعفار