بسم الله الرحمن الرحيم
016 -- من تراث الأستاذ
عرفانا بالجميل واعترافا ًبفضل الله علينا وبرا ًبشيخنا واستاذنا ووالدنا ومعلمنا ومربينا وأملا ًفي نفع الأمة الإسلامية بعلمه وثقافته، و مستعينا ًبالله أنشر لكم نورا ًمن تراث الأستاذ.
وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ
أحد التلاميذ: قال تعالى ( عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ )
فما المقصود بتخاتانون أنفسكم ؟
الأستاذ: خنت نفسك وتركت أمر الله وفعلت ما نهاك عنه و وقعت في المحظور ولكن الله تاب عليهم وعفا عنهم فليس هناك داعي للتكلف طالما أن باب رحمة الله وسع كل شيء ولأن التكلف من الأمور الممقوتة في العبادة ويقول الله على لسان نبيه:
( وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ )
هذا الدين لا يصل فيه إلى مرحلة العبودية الحقيقية لله واحد متكلف، فليدعي كيفما يشاء ويحفظ كتب وأسانيد كيفما يشاء.
أحد التلاميذ:هل من الممكن القول بأن إبليس تكلف، تكلف الحب والعبادة والإخلاص ولكنه
حينما أمر بطاعة حقيقية فلم يطيقها؟
الأستاذ: أنا لا أستطيع أن أقول على إبليس غير ما وصفه الله به هو شيخ المتكبرين
(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)
إنما التكلف فنحن نجده في حياتنا وربما حياة كثير من العلماء إلا من رحم الله
أحد التلاميذ: هل التكلف عليه وزر؟
الأستاذ: إن هذا التكلف ليس بحقيقي والله لا يحاسبنا على شكلنا ولا مظهرنا قال
رسول الله (إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم و أموالكم و لكن إنما ينظر إلى قلوبكم و أعمالكم )
فحينما يكون القلب مشرك بالله ويعبد الإنسان نفسه وعزته وكبريائه وبالتالي يتكلف في الدين أمور ويتظاهر بها ويحرص على عملها، والله مطلع عليَّ ويعلم حقيقة أمري.
أحد التلاميذ: هل هذه الأمور التي يتكلفها موجودة في الدين؟
الأستاذ: هي موجودة في شخصه بل وموجودة في الدين هو لا يقول إلا الحق ولكن لا يستطيع أن يحيا ما يقول ويفعل وهذا يفسر لنا كيف أن الله يبدأ العذاب يوم القيامة بالعلماء فيأمر بهم إلى جهنم.
إن الذي يحيا أمر هذا الدين ببساطة ويسر يستطيع أن يعكسه على الآخرين.
أحد التلاميذ: إن هذا الأمر غامض في القلوب وهو مأمور بأشياء لابد أن يقوم بها فماذا
يفعل وهولا يستطيع أن يتكيف ولكنه سيغصب نفسه عليها؟
الأستاذ: إن مثل هؤلاء العلماء تستمع إليهم وكأنك تقرأ في كتاب، اسمع واستفيد لا مانع من ذلك.
ولكن لا تتكلف في حياتك أنت. عيش دينك في بساطة ويسر لكي ترتقي به! لأنك لو
تكلفت ستظل على نفس هذه الهيئة إلى مالا نهاية.
فالمطلوب أن تعيش حياتك الدينية وترتقي بها رويدا رويدا لكي تنموا حقيقة
( ولا تدعي انك كبير لأنك مش كبير ) ابدأ سلمه سلمه وكن صادق مع نفسك.
ولو بدأت وحفظت كتاب فالويل لك من هذا الكتاب أصبحت لا تملك إلا حروفه وتحمله كما لو كان سوطا تجلد به كل من تجده في طريقك وأنت على قناعه مما تفعل فكل ما تقوله حق ولا يوجد كلمه واحدة باطل إنما فيه تكلف وتفتقر إلى البساطة ولم تحيا بهذا العلم حقيقة في هذه الحياة ولو عشته حقيقة لعكسته حقيقة.
أحد التلاميذ: هل في الاصطبار على الطاعة كصلاة الليل أفعلها وأنا أحمل نفسي عليها فهل هذا تكلف؟
الأستاذ: هذا خلاف ما نتحدث فيه مطلقا، فحينما تتكلف الطاعة وتحمل نفسك عليها
بل وتتهم نفسك بعدم الصدق، وبالنفاق وتقول لنفسك ربما يكون هذا العمل غير مقبول وغير نافع، فلو كان هذا هو حالك فلتستمر إذن، إن التكلف ليس بينك وبين نفسك ولكنه مع الناس وهو أن تظهر نفسك بمظهر التقي الورع. والله يقول
( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا )
الأستاذ: النص الذي لا تخالطه نداوة القلب فما فائدته إذن؟
لابد أن الفعل الذي تقوم به يترك اثر طيب على قلبك وعلى علاقاتك بالآخرين
فتظهر السماحة وتظهر الوضاءة ويظهر حسن الخلق يظهر الصبر و الحلم
وكظم الغيظ، فهذا كله ثمرة العمل الذي تقوم به.أما المتكلف يعمل العمل ولا يزيده إلا غلا و جلافة وغلظه وسوء خلق ونفاد صبر فهذا العمل لم يؤثر عليه مطلقا بل هذا العمل ضره أكثر من نفعه، فهذا هو التكلف.
أحد التلاميذ: لو إفترضنا ولو جدلاً أننا وجدنا هذا الشخص المتكلف ولكنه عايش هذا الدين
بطريقة صحيحة، فهل هذا يسمى تكلف أيضا؟
الأستاذ: سوف تجد هذا الرجل الذي يتحدث في الدين ويمتلك هذا العلم النظري وعمله جيد وأنت تريد أن تحبه، فهو رجل متدين ( بتاع ربنا ) ولكنك لا تستطيع أن تحبه. أما الرجل الآخر يتحدث ببساطه ويسر ومع كلامه تنزل السكينة ويحل السلام والهدوء وتشعر بالطمأنينة والراحة، وتأنس وتطمئن إليه،
الأستاذ: ونحن لا نسيء الظن بالمتكلف فأمره متروك لرحمة الله سبحانه وتعالى، بل نحن نحاول أن نستر عيوبه، نحاول ألا نقدح فيه، نحاول أن نقبله، ولكن!!!
هل ننظر إليه كواحد يدعو إلى الله؟ أبداً ليس هو، فسمته ليس سمت الداعية، الداعية فيه وضاءة، فيه إشراقه، تحسبه من الذين إذا رؤوا ذكر الله.
أحد التلاميذ: ما هو سبب عدم تقدمي في حياتي الإيمانية ( أعني الحرص على الأعمال التعبدية والشعائر )
على الرغم سلوكي الطريق منذ زمن ليس بالقصير؟
الأستاذ: أولا أنت بالذات تقدمت كثيرا من ناحية الفهم الحقيقي لهذا الدين، أما عن سؤالك فإن الطباع تتفاوت فهناك أشخاص غيرك غير مشغولين بهذه الاهتمامات الشخصية وتخطى هذه المرحلة وأقام الليل ويقضى الليل مع الله على الرغم من حداثته في الطريق فهذا هو تفاوت النفوس، وفرق بين نفس متراخية مترهلة، ونفس مريضة فيها شيء كبير من المرض، ومعتلة المزاج، فالبداية هنا لابد وأن تكون في رحلة البحث عن الشفاء من تلك العلل حتى تأنس إلى الحياة، وإلى الدين، وتدخل إلى معترك الحياة بعد أن كنت على هامش الحياة معزول عنها تماما، فبدايتك الحقيقية هي مع بداية امتثالك للشفاء، ودخولك في الاستواء، فأنت الآن لم تتقدم لأنك مشغول بنفسك، مشغول بأمراضك، بآلامك، بحياتك المعوجة التي لم تستطيع أن تقومها حتى الآن، فهناك شخص آخر غير مشغول بهذه الاهتمامات وتجاوز هذه المرحلة فهو يشعر بلذة العبادة، ويريد أن يصبر نفسه على الطاعة والذكر وعلى الكثير و الكثير من أعمال الخير، يحاول! أحياناً يجد إقبال وأحيانا يجد إدبار وهذه حياة سليمة 100%.
أما الأول فانشغاله بمرضه هو الذي يسيطر على تفكيره وعلى حياته كلها لا يمتلك المقدرة على التفكير في شيء أخر ( معندوش خلق وطولة بال أن يفكر في حاجة تانية)
أحد التلاميذ: هل من الممكن أن أرغم نفسي على عمل طاعة، ومع ذلك أكون غير متكلف؟
الأستاذ: ( هي دي الشطارة أرغم نفسك وورينا شطارتك وكل واحد على قد عزيمته )
أحد التلاميذ: وهل هذا الإرغام على العمل لا يقدح فيه؟
الأستاذ: ليه !!! فما هو نهي النفس عن الهوى إذن وماذا نعني بكبح جماحها.
أحد التلاميذ: يقول الإمام على: إن النفس لها إقبال ولها إدبار، فإذا أقبلت فاحملها على النوافل، وإذا أدبرت فاقصرها على الفرائض
الأستاذ: ما أجمل هذه الكلمة التي تتمشى مع الفطرة الإنسانية.
الأستاذ: وخلاصة القول أنه لا تكلف بينك وبن نفسك حينما تحملها على فعل الطاعات و حينما تصل إلى فن الوقوف بين يدي الله و تتذوق طعم ترتيل القرآن بين يدي الله ويكون لك النمط الخاص بك وعلاقتك الخاصة بربك التي تجعلك تقرأ القرآن وكأنك ترتقي في السماء دون الإلتفات أو الإحساس بأحد إلا الله وهنا تشعر بحلاوة الإيمان الحلاوة التي هي ثمرة الوقوف سنين طويلة على باب الله ولو كانت الثمرة يمكن الوصول إليها في وقت قصير ( يومين تلاته) لسهل على كل مدعي.
الأستاذ: إن النظام الذي أحب أن يسير عليه السالك في طريقه إلى الله هو التدرج قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق فإن المنبت لا أرضا قطع و لا ظهرا أبقى )
الشيخ / حسني أبوعيد
رحمه الله وغفرله
http://hosnyaboeed.blogspot.com/
أبوعمار محمد عبدالرحيم
28/3/2012
badeaezaman@yahoo.com