وَيَقُولُ
الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) أَوَلَا يَذْكُرُ
الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67)
فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ
جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ
أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ
هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (70) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى
رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ
الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)
على مدار التاريخ تقول هذه المقولة
أصناف كثيرة من البشر وفي عصور مختلفة
نفس الكلام ونفس الفكرة وبأساليب
مختلفة
«وَيَقُولُ
الْإِنْسانُ: أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا؟» ..
وَفِي الصَّحِيحِ: "يَقُولُ
اللَّهُ تَعَالَى كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُكَذِّبَنِي،
وَآذَانِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُؤْذِيَنِي، أَمَّا تَكْذِيبُهُ
إِيَّايَ فَقَوْلُهُ لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي، وَلَيْسَ أَوَّلُ الْخَلْقِ
بِأَهْوَنَ عليَّ مِنْ آخِرِهِ، وَأَمَّا أَذَاهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: إِنَّ لِي
وَلَدًا وَأَنَا الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ
يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ" (أخرجه البخاري في صحيحه)
«أَوَلا
يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً؟» .
«فَوَ
رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ» .. ولن يكونوا وحدهم.
فلنحشرنهم «وَالشَّياطِينَ» فهم والشياطين سواء. والشياطين هم الذين يوسوسون
بالإنكار، وبينهما صلة التابع والمتبوع، والقائد والمقود..
وهنا يرسم لهم صورة حسية وهم جاثون حول
جهنم جثّو الخزي والمهانة:
«ثُمَّ
لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا» ..
وهي صورة رهيبة وهذه الجموع التي لا
يحصيها العد محشورة محضرة إلى جهنم جاثية حولها، تشهد هولها ويلفحها حرها، وتنتظر
في كل لحظة أن تؤخذ فتلقى فيها. وهم جاثون على ركبهم في ذلة وفزع..
«ثُمَّ
لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا»
..
أين العتاة أين جبابرة الأرض أين
الظلمة والقتلة أين الذين فتنوا الناس عن دينه
سيحضرون جميعا حول جهنم جثيا ثم يبدأ
الله ابتدأ و ينتزع منهم انتزاعا الأشداء الأقوياء اللي كانوا مفكرين نفسهم سادة
وباقي الخلق عبيد
سيعلمون من السادة و من العبيد والله
يعلم من هم ويعلم من هم أولى بأن يصلوها، فلا يؤخذ أحد جزافا من هذه الجموع التي
لا تحصى. والتي أحصاها الله
«ثُمَّ
لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا» .. فهم المختارون ليكونوا طليعة المقذوفين! وإن المؤمنين ليشهدون العرض
الرهيب:
«وَإِنْ
مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا» فهم يردون فيدنون ويمرون بها وهي تتأجج وتتميز وتتلمظ ويرون العتاة ينزعون
ويقذفون.
«ثُمَّ
نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا»
فتزحزح عنهم وينجون منها لا يكادون! «وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها
جِثِيًّا» ..
ومن هذا المشهد المفزع الذي يجثو فيه
العتاة جثو الخزي والمهانة، ويروح فيه المتقون ناجين. ويبقى الظالمون فيه جاثين..
من هذا المشهد إلى مشهد في الدنيا يتعالى فيه الكفار على
المؤمنين، ويعيرونهم بفقرهم، ويعتزون بثرائهم ومظاهرهم وقيمهم في عالم الفناء:
«وَإِذا
تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ. قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ
آمَنُوا: أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا؟» ..
إنها النوادي الفخمة والمجامع المترفة
والقيم التي يتعامل بها الكبراء والمترفون في عصور الفساد. وإلى جانبها تلك
المجتمعات المتواضعة المظهر والمنتديات الفقيرة إلا من الإيمان. لا أبهة ولا زينة،
ولا زخرف، ولا فخامة.. هؤلاء هم سادة قريش تتلى عليهم آيات الله- على عهد الرسول
صلى الله عليه وسلم- فيقولون للمؤمنين الفقراء: «أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ
نَدِيًّا؟» الكبراء الذين لا يؤمنون بمحمد، أم الفقراء الذين يلتفون حوله.
أيهم خير مقاما وأحسن ناديا؟ النضير بن الحارث وعمرو بن هشام والوليد بن المغيرة وإخوانهم
من السادة، أم بلال وعمار وخباب وإخوانهم من المعدمين؟ أفلو كان ما يدعو إليه محمد
خيرا أفكان أتباعه يكونون هم هؤلاء النفر الذين لا قيمة لهم في مجتمع قريش ولا
خطر؟ وهم يجتمعون في بيت فقير عاطل كبيت خباب؟ ويكون معارضوه هم أولئك أصحاب
النوادي الفخمة الضخمة والمكانة الاجتماعية البارزة؟.
إنه منطق الأرض. منطق المحجوبين عن اللهوحكمته.
وإنها لحكمة الله أن تقف العقيدة مجردة من
الزينة والطلاء، عاطلة من عوامل الإغراء. ليقبل عليها من يريدها لذاتها خالصة لله
من دون الناس، ومن دون ما تواضعوا عليه من قيم ومغريات وينصرف عنها من يبتغي
المطامع والمنافع، ومن يشتهي الزينة والزخرف، ومن يطلب المال والمتاع.
«وَكَمْ
أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً «1» » ..
فلم ينفعهم أثاثهم ورياشهم وزينتهم
ومظهرهم. ولم يعصمهم شيء من الله حين كتب عليهم الهلاك.
ألا إن هذا الإنسان لينسى. ولو تذكر
وتفكر ما أخذه الغرور بمظهر ومصارع الغابرين من حوله تلفته بعنف وتنذره وتحذره،
وهو سادر فيما هو فيه، غافل عما ينتظره مما لقيه من كانوا قبله وكانوا أشد قوة
وأكثر أموالا وأولادا.
ثم يأمر الله رسوله- صلى الله عليه
وسلم- أن يدعو عليهم في صورة مباهلة- بأن من كان من الفريقين في الضلالة فليزده
الله مما هو فيه حتى يأتي وعده في الدنيا أو في الآخرة:
«قُلْ:
مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا، حَتَّى إِذا
رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ
هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً، وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا
هُدىً وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ
مَرَدًّا» ..
فهم يزعمون أنهم أهدى من أتباع محمد-
صلى الله عليه وسلم- لأنهم أغنى وأبهى. فليكن! وليدع محمد ربه أن يزيد الضالين من
الفريقين ضلالا، وأن يزيد المهتدين منهما اهتداء.. حتى إذا وقع ما يعدهم وهو لا
يعدو أن يكون عذاب الضالين في الدنيا بأيدي المؤمنين، أو عذابهم الأكبر يوم الدين-
فعندئذ سيعرفون: أي الفريقين شر مكانا وأضعف جندا. ويومئذ يفرح المؤمنون ويعتزون
«وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ
مَرَدًّا»
خير من كل ما يتباهى به أهل الأرض
ويتيهون.
لما نزلت هذه الآية وإن منكم إلا واردها ذهب ابن رواحة إلى بيته
فبكى وجاءت المرأة فبكت وجاءت الخادم فبكت ثم جاء أهل البيت فجعلوا يبكون كلهم
فلما انقطعت عبرته قال يا أهلاه ما يبكيكم قالوا لا ندري ولكنا رأيناك تبكي فبكينا
قال آية نزلت على رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ينبئني فيها ربي أني وارد
النار ولم ينبئني أني صادر عنها