الأربعاء، 25 مارس 2015

ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا


ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا 
بسم الله الرحمن الرحيم
كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11)
نحن الآن على موعد مع رحلة عبر التاريخ سنسافر معا عبر الزمان في رحلة عمرها أقدم من 2015 سنه نحن الآن قبل ميلاد سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة السلام فالزمان قبل الميلاد والمكان في فلسطين وبالتحديد في بيت المقدس ويبدو لنا في المشهد الآن عمران وزوجته حنّة وابنتهما مريم وزوج خالتها زكريا كان زكريا من كبار الربانيين الذين كانوا يخدمون الهيكل. وكان عمران -والد مريم- إمامهم ورئيسهم، والكاهن الأكبر فيهم الذي يعلمهم تعاليم دينهم
يبدو لنا الآن سيدنا زكريا في المحراب بين يدي الله يناجي ربه بعيدا عن عيون الناس، بعيدا عن أسماعهم. في عزلة يخلص فيها لربه، ويكشف له عما يثقل كاهله ويكرب صدره ويناديه في قرب واتصال: قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا.
يا رب لقد كبر سني وجرى بي الزمن وأصبحت ضعيفا يا رب وأنا أتوجه إليك وحدك وادعوك وحدك     «وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا»  فقد عودتي حينما أدعوك تستجيب  
وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5)
ما زال نبي الله زكريا يبث شكواه إلى الله يا رب لقد ظهر بعد عمران موالي عهدتهم غير صالحين سيفسدون في الأرض يا رب ويتسببوا في ضياع دينك يا رب ح يبدلوا و يضلوا عبادك يا رب وهذه لم تنجب لي الولد «وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً. يا رب
«فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا»
لا جبارا ولا غليظا، ولا متبطرا ولا طماعا. اجعله رضي يا ب ( يرضى ويرضي ).
وينشر ظلال الرضا فيما حوله ومن حوله.
وهنا تجيء لحظة الإجابة.. فالرب ينادي عبده من الملأ الأعلى:
«يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا»..
وكأنما أفاق زكريا من غمرة الرغبة وحرارة الرجاء، على هذه الاستجابة القريبة للدعاء. فإذا هو يواجه الواقع.. إنه رجل شيخ بلغ من الكبر عتيا، وهن عظمه واشتعل شيبه، وامرأته عاقر لم تلد له في فتوته وصباه: فكيف يا ترى سيكون له غلام؟ إنه ليريد أن يطمئن، ويعرف الوسيلة التي يرزقه الله بها هذا الغلام:
«قالَ: رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا؟»
إنه يواجه الواقع، ويواجه معه وعد الله. وإنه ليثق بالوعد، ولكنه يريد أن يعرف كيف يكون تحقيقه مع ذلك الواقع الذي يواجهه ليطمئن قلبه
«قالَ: كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ: هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ. وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً» .
وليس في الخلق هين وصعب على الله. ووسيلة الخلق للصغير والكبير، وللحقير والجليل واحدة
كن. فيكون.
والله هو الذي جعل العاقر لا تلد. وجعل الشيخ الفاني لا ينسل وهو قادر على إصلاح العاقر وإزالة سبب العقم، وتجديد قوة الإخصاب في الرجل. وهو أهون في اعتبار الناس من إنشاء الحياة ابتداء. وإن كان كل شيء هينا عليه.
قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11)
ذلك ليعيشوا في مثل الجو الذي يعيش فيه، وليشكروا الله معه على ما أنعم عليه وعليهم من بعده
«يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ ... »
لقد ولد يحيى وترعرع وصار صبيا، ولما كان طلب الأب من الرب أن يهبه ولي يرث الدعوة وينشرها بين الناس فكان لزاما على الابن أن يأخذ الكتاب بقوة
 «يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ»..
والكتاب هو التوراة كتاب بني إسرائيل من بعد موسى، وعليه كان يقوم أنبياؤهم يعلمون به ويحكمون. وقد ورث يحيى أباه زكريا، ونودي ليحمل العبء وينهض بالأمانة في قوة وعزم، لا يضعف ولا يتهاون ولا يتراجع عن تكاليف الوراثة
«وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا، وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً، وَكانَ تَقِيًّا»
فهذه هي المؤهلات التي زوده الله بها وأعده وأعانه على احتمال ما كلفه إياه عند ما ناداه
آتاه الحكمة صبيا. فكان فذا في زاده، كما كان فذا في اسمه وفي ميلاده. فالحكمة تأتي متأخرة. ولكن يحيى قد زود بها صبيا.
وآتاه الحنان هبة لدنية لا يتكلفه ولا يتعلمه إنما هو مطبوع عليه ومطبوع به. والحنان صفة ضرورية للنبي المكلف رعاية القلوب والنفوس، وتألفها واجتذابها إلى الخير في رفق.
وآتاه الطهارة والعفة ونظافة القلب والطبع يواجه بها أدران القلوب ودنس النفوس، فيطهرها ويزكيها. ( وَكانَ تَقِيًّا )
موصولا بالله، متحرجا معه، مراقبا له، يخشاه ويستشعر رقابته عليه في سره ونجواه.
كان يحيى عليه السلام غلاماً ذكياً، أحكم الله عقله، وآتاه الحكم صبياً، عاشقاً للعبادة، عاكفاً في محراب العلم، محصياً لمسائل التوراة، مستجلياً لغوا مضها، محيطاً بأصولها وفروعها، فيصلاً في أحكامها، قاضياً في معقولها، قوَّالاً في الحق، لا يخشى في الله لومة لائم، ولا يهاب صولة عاتٍ ظالم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق